الخميس، 10 أكتوبر 2019

سيدة الظل


يستند برأسه على المقعد، وكانه أصبح مخترقًا من جميع الجوانب، عقله يأبى أن يستقر، ومن داخل أعماق عقله يصدح صوت موسيقى مألوفة، يرهف السمع إلى نفسه، إنها تلك التوزيعة البديعة التي قدمها إبراهيم معلوف لرائعة مايكل جاكسون (إنهم لا يهتمون بنا) يدنديها كعازف محترف بصوت خفيض للغاية يشبه الهسهسة، عقله مازال يرقص ويدندن (إنهم لا يهتمون بنا).

يصل الآن، مكان مفتوح في الهواء في هذا اليوم الجيد، الشمس لم 
تغب بعد، مازال أمامها فسحة من الوقت لكي تكشف كل التفاصيل 
قبل أن يأتي الليل ويذوب في روحه، يدخل بثقة جنرال لم يفز في 
معركة قط، الهزائم تعطيك ثقة من نوع غريب، ثقة تبدأ بإفية وتنتهي
بوخزة وألم جديد.


يدخل ويقف يطلب ما يريد وينتظر، بينما تدخل هي، قصيرة؟ ربما؟! 
ولكن ظلها كان أطول بكثير من شجرة سامقة، طويلُ لدرجة أنه 
حجب الشمس عن اللوح الزجاجي فغرق المكان في الظل الرطب
 جميل المذاق، لا ترتدي قبعة، غريب لماذا أذن لا يرى عينيها 
بوضوح، يحاول التركيز أكثر وأكثر، يرى كل تفاصيل جسدها، 
ذلك التناسق الممتع والرشاقة المستترة خلف حاجز من الوقار 
المصطنع، لا يخفي ابتسامه لاهية كفخ الصياد أو خُطافه، أنثى
تحمل روح الصياد، ولكن لماذا لا يرى تلك العنين؟!

يتصادف أن ينتهي تحضير مشروبهما سويا، يقف ليضيف السكر،
 لا يضع السكر مطلقا، ولكنه تظاهر بالوقوف من أجل أي شيء، 
غريب مازال الظل يهيمن، والعينان خلفه لا يظهر منها أي شيء،  
يجلس في مقابلتها، وتجلس في مقابلته تزيح الظل عن عينيها بيديها 
كقناع ترتديه، ويذوب هو في مقعدة كما ذاب الكراميل في مشروبها، 
يذوب ويذوب ويذوب.

ما هذا كيف جاء الليل سريعًا؟ كم مر من الوقت؟ ماذا حدث في تلك 
الساعات الخمسة؟ وأين علبة سجائري؟ فقط أفاق حينما نهضت 
تلفتت حولها لم تجد سواه، نهضت وتقدمت نحوه.

- تقول الأسطورة، كان إله الحب نقيًا، يحمل براءة الأطفال، لا 
يحمل سهمًا أو قوسًا، كان يغرد، يهمس بالحب في أذن العاشقين، 
ولكن كل شيء تغير، حينما عشق فتاة صماء لا تسمع، فأرد أن 
تعشقه، فحمل القوس وطار إليها، انتظرها حتى ظهرت، فجمع الحب 
بأكمله في سهمِ وحيد، وأحكم التصويب ولكن نظرة من عين فتاته 
الصماء أربكته فطاش السهم ولم يصب الهدف، ومن يومها إلى الآن 
هذا السهم يحوم حول البشر يخترق من يخترق مسببًا ألمًا لا ينتهي 
وعشق يشبه الكراميل-


تقدمت نحوه سألته عن شيء، لم يدرك ما هو ولكنه أدرك أنه وجد
ضالته أخيرًا، تلك التي بحث عنها في الطرقات وفي الشوارع وفي 
نفسه وجدها صدفة والآن، أشار بيديه فردت شاكرة، كيف نسى 
الأحرف؟ كيف فارقته اللغة؟ فقط يذكر وقع الصوت في نفسه، يشبه 
قليلا حبات من لؤلؤ تتبعثر على رخام بارد وفي خلفيتها خطوات 
أنثوية تسير بحذاء ذو كعب رفيع يشبه الأنياب.

غابت فحل الليل ثقيلًا، عادت فكان الليل ساحرًا لملمت ما بقيّ من 
اشيائها، نهضت،وضعت الظل فوق أعينها، رحلت، بينما هو مازال 
يذوب كالكراميل أو كالضوء في بقعة ظل.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق